فى وقفة لن ينساها التاريخ.. المُتظاهرون الأقباط فى الكاتدرائية زلزلوا الأرض من تحتهم، وأصواتهم بلغت أقاصى المسكونة
فى
مَشهد لم يَكُن مُستَغرباً تجمع آلاف الأقباط فى ساحة الكاتدرائية أمس
الأربعاء قُبيل ساعات من الاجتماع الإسبوعى لقداسة البابا شنودة الثالث..
بدأت
الشرارة الأولى بقيام نُشطاء من موقع صوت المسيحى الُحر بالإضافة إلى
الزميل شريف رمزى -المُحرر بموقع الأقباط الأحرار- بتعليق لافتات كبيرة
تحوي صوراً لضحايا المجزرة البشعة بنجع حمادى ، وتدخل أمن الكاتدرائية فى
مُحاولة لمنع تعليق اللافتات، ولكن النُشطاء تصدوا لتلك المحاولة مؤكدين
على حقهم فى الاحتجاج السِلمى والحضارى للمُطالبة بالحقوق.
لحظات
وبدأت أصوات الهُتاف تتعالى، وإنضم للنُشطاء عشرات الشباب ممن تواجدوا
بشكل عفوى داخل الكاتدرائية، ثم إنضم للتظاهُرة بعض النُشطاء من حركة
أقباط من أجل مصر وجريدة الكتيبة الطيبية، وتحمس مئات أخرين للمُشاركة فى
التظاهرة التى قُدِر عدد المُشاركين فيها قُبيل دخول قداسة البابا للكنيسة
لإلقاء العظة إلى ما يربو من ستة آلاف مُتظاهر.
وقاد النُشطاء عملية
الهُتاف التى كان للأقباط الأحرار النصيب الأكبر فيها، مُطالبين بمُحاسبة
الجُناه الحقيقيين وفى مُقدمتهم وزير الداخلية ومدير أمن قنا ومُحافظها
(القبطى) مُطالبين بعزلهم جميعا من مناصبهم ومحاكمتهم بتهمة التقصير
الأمنى..
وطالب المُتظاهرون بمُحاكمة النائب عبد الرحيم
الغول -عضو مجلس الشعب عن نجع حمادى- بتهمة التحريض والتخطيط للأحداث
المُروعة التى راح ضحيتها شُهداء وجرحى فى ريعان الشباب..
وفى مَشهد مَهيب رَصدته كاميرا الأقباط الأحرار، والعديد من المواقع القبطية ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، هتف المُتظاهرون:
يامبارك فينك فينك؟ دم ولادنا بينا وبينك.
مش هنقول طيار ورئيس الدم القبطى مش رخيص .
ولا رئيس ولا طيار ديه العدية دم ونار.
يامبارك ساكت ليه أنت معاهم ولا أيه.
الحكومة والطيار كل دا كله لعب كبار .
يا حاكمنا بالمباحث قتلوا ولادنا فى الكنايس.
يا حاكمنا بالحديد قتلوا ولادنا ليلة العيد.
فين الأمن وفين وزيره يجى يشوف الظلم بعينه مش عايزينه مش عايزينه.. يرحل يرحل مش عايزينه.. مش هيحمينا ومش عايزينه.
الرشاش زعلان كدة لية ؟ من دم الشهدا اللى عليه.
الرشاش دا بتاع حكومة مين وداه لأيدين كمونة .
كان فين الأمن والرجال لما دم الشهدا سال.
يادخلية فينك فينك قتلوا ولادنا قدام عينك .
الاعدام للمجرمين خونة خونة مقصرين .
محافظ قنا قول الحق أنت قبطى ولا لأ..لأ لأ وألف لأ.
يامحافظ أرحل أرحل مش عايزينك مش عايزينك .
إحنا معانا أحسن ست يُنصر دينك ياجورجيت .
حاكموا الغول على التحريض الكمونى مجرد أيد .
رأس الفتنة هو الغول وحزبه الوطنى كمان مسئول.
مش فردية ولا جنائية دى جريمة طائفية.. دية إبادة عنصرية .
فين العالم يجى يشوف الاضطهاد بقى على المكشوف .
فى نجع حمادى وفى فرشوط دم الشهدا مش هيموت .
أصرخ ..أصرخ عَلىِّ الصوت اللى بيصرخ مش بيموت.
بتقولوا القبطى عايش فى أمان يا حكومة أدينا ضمان.
مش هنفرط تانى فى حقوقنا أحنا الأصل ومصر بلدنا.
الإعلام بيعتم لية كشح تالتة ولا أيه؟
يا بابا شنودة إحنا معاك خد موقف والشعب وراك .
أنبا كيرلس أوعى تلين صُلح تانى مش عاوزين.
يا أغابى ويا سى تى فى مش فاضحين الظلم ليه؟
ياشهيد دمك فين؟ دمك راح بإيد خاينين .
يا شهيد فين ماتروح جوه القلب وجوه الروح.
وفى
خِضم العمل والهِتاف الذى جَسد وحدة الشعب القبطى الذى توافد بالآلاف من
كل اقاليم مصر وفى مُقدمتها إبراشية نجع حمادى، أطل قداسة البابا من شُرفة
المقره البابوى ولوح للمُتظاهرين بالصليب مُباركاً غضبتهم النبيلة.. فهتف
المُتظاهرون: يابابا شنودة أحنا معاك خُد موقف والشعب وراك)، وطالب
المتظاهرين بحقهم فى دم أخوتهم.
وفى حديث خاص- للأقباط الاحرار-
صرح "المُتنصر" ماهرالجوهرى أن ما حدث من قتل للأقباط فى نجع حمادى لا
يمكن لعقل إنسان أن يقبله، فكيف يقتل الأبرياء فى ليلة العيد بهذا المنظر
الآليم والمهين، ووصف التصرف بالهمجية والوحشية والكراهية.
وأما عن
التضارب فى تصريحات نيافة الأنبا كيرلس فأعرب الجوهرى عن اعتقاده بأن
ضغوطاً آمنية قد مورست على نيافته ولاسيما بعد اعتقال عدد كبير من أقباط
نجع حمادى، وأعرب ذلك عن أمله أن يكون لدى جموع الأقباط الايجابية
للمُشاركة فى الاحتجاجات والتظاهرات للتنديد بالعنف ضدهم والمطالبة
بحقوقهم وحقوق ضحاياهم، مُشيراً إلى أنه قد عَرض نفسه شخصياً للخطر بظهوره
وسط هذا الحَشد ولكن صوت الواجب كان يُناديه.
وطالب الجوهرى
أقباط الخارج بأن يرفعوا أصواتهم لفضح ممارسات الارهابية بحق اخوتهم فى
مصر مُعتبراً أن الواقع يفرض علينا أن نكون مواطنين من الدرجة الخامسة!!
وآضاف
الجوهرى: التحقيقات لن تأتى بجديد وستنتهى القضية بالتصالح والإفراج عن
الجناه، مُطالبا فى الوقت نفسه باستمرار التظاهرات إلى أن يحصل الأقباط
على كامل حقوقهم.
وأوضح الناشط القبطى شريف رمزى -المُحرر بموقع
الأقباط الأحرار وأحد القادة البارزين للتظاهُرة- فى تصريحاته لمُراسلى
الكتيبة الطيبية أن الأقباط لن يرضخوا للظُلم ولن يقبلوا عار الصمت بعد
اليوم، واتهم رمزى جهات حكومية أمنية وحزبية بالتحريض على قتل الأقباط فى
نجع حمادى..
وعَدد رمزى جرائم العُنف التى تعرض لها الأقباط فى كل
مُحافظات مصر والتى لم تصدُر فيها أى أحكام قضائية لرَدع المُتطرفين،
مُعتبراً "تدويل القضية القبطية" حلاً وحيداً فى مواجهة التواطوء الحكومى
تجاه ما يتعرض له الأقباط من عُنف وإبادة جماعية.
وطالب رمزى
بالإفراج الفورى عن القِس متاؤس وهبة المحبوس ظُلما فيماً الجُناه
الحقيقيين ومن حرضوا على قتل الأقباط فى نجع حمادى يتمتعون بالحرية
والحصانة.
أما الناشط القبطى رامى كامل -أحد القادة البارزين
للتظاهرة- فأشار فى تصريحاته للأقباط الأحرار إلى أن مُشاركته فى
التظاهُرة تأتى بعد أن سُفِكت دماء الأبرياء فى نجع حمادى، وآضاف: الدولة
تضغط على الكنيسة لقبول الصلح وقامت بالقبض على الشباب القبطى فى نجع
حمادى بتهمة إثارة الشغب!! فمن الذى يثير الشغب المُعتدى أم المُعتَدى
علية؟!، وطالب كامل الكنيسة بعدم الرضوخ للصُلح أو التفاوض على دماء
الشهداء.
وفى كلمته التى تحولت إلى رسالة عَزاء اعتبر قداسة البابا أن
ضحايا المجزرة بنجع حمادى هم شُهداء سيُخلَد أسمهم وأسم مدينتهم فى
التاريخ وسجل كنيستنا الحافل بالشُهداء.
وآضاف قداسته: كانوا
مؤمنين وأبرار تمتعوا بالصلاة فى هذا اليوم وتناولوا من الأسرار المقدسة
ثم انتقلوا إلى السماء، وهم سُعداء إذ وصلوا إلى الله ضابط الكل والله لن
ينسى دمائهم البارة التى سفكت.. لنتذكر أن قايين عندما قتل هابيل أخاه قال
له الرب "صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض"، وبسبب صوت دم هؤلاء فالله سيعمل
عملاً من أجلهم، وشَدد البابا من أذر المُصابين داعياًَ الرب أن يُتمم
شفائهم ويعطيهم صحة وقوة.
وأكد البابا أن الجميع فى قلبه يشعر
بأحاسيسهم ويشعر بقلوبهم، وقال: أقرأ هذه الأحداث وكأننى أنا الذى أُصبت
وأُطلق علىَّ الرصاص، واضاف قداسته: قبل كل المهتمين بكم الله نفسه مهتم
بكم، وأصواتكم جميعاً قد صعدت إلى الله، والله أخذ منها موقفاً.
وأكد
قداسته على أنه طالب المسئولين بسرعة الانتهاء من التحقيقات والحكم على
الجناه، مؤكداً حقوق الإنسان والتى فى مقدمتها حق الحياة، ومُشيراً إلى ما
جاء بسفر التكوين "سافك دم الإنسان بيد الإنسان يسفك دمه"، وهكذا أُعطى
للقضاء حق الحُكم بالإعدام على قاتلى النفس.
وعَقِب انتهاء
الاجتماع الروحى لقداسته، عاد النُشطاء لمواصلة التظاهرات والاحتجاجات بعد
أن إنضم إليهم الآلاف ممن حضروا الاجتماع، واستمرت الأجواء على هذا النحو
حتى ساعة مُتأخرة من الليل..
وقد لوحظ إنفراد نيافة الأنبا يؤانس
-الأسقف العام وسكرتير قداسة البابا- بالناشط القبطى شريف رمزى أحد القادة
للتظاهرة- وصرح رمزى بعدها أن نيافته حثه على ضبط الأجواء حتى لا يفلت
زمام المظاهرة بخروج المُتظاهرين إلى الشارع حرصا على سلامة الجميع.
لقد كان وبحق يوماً مشهوداً فى تاريخ كنيستنا، ووقفة لن ينساها هذا الجيل.. كان يوماً للغضب النبيل.